Tuesday, August 23, 2011

خلف القناع

يحيرني دائماً ماهو خلف القناع وليس القناع نفسه مهما كان مبتكراً أو غير أعتيادي .... فخلف القناع دائما قصة .. خبرة .. دافع ما يدفع الأنسان ليتخفى وراء قناع ....

ربما كانت الأقنعة من أولى الأختراعات البشرية فقد استخدمها الأنسان البدائي في حربه مع الطبيعة ليصيد فريسته ... ثم استخدم جماجم فرائسه لتكون أقنعة احتفالية تعبر عن قوته وقدرته على قهر الطبيعة وأثبات أنه هو سيد الأرض والمُستَخلَف عليها .... و مازالت بعض القبائل الأفريقية و في أمريكا اللاتينية يتمسكون بأقنعتهم المهيبة في مناسبات كثيرة وطقوس عديدة ....

حتى المصريون عرفوا الأقنعة فسبكوها من الذهب لتغطية وجوه ملوكهم الموتى حتى لا تضيع ملامحهم مع الزمن .. ومن منًا لم ينبهر بقناع الملك توت الذهبي .. وأدعي أنني شخصياً أُخِذْتُ به و ظللت كثيراً أبحث في ملامحه عن شيء يشبه ملامحي .. قد يضحك من يقرأ هذه السطور ولكنها الحقيقة وهي أيضاً أثبات على رجاحة الفكرة و عبقرية من ابتكرها ليحفظ ملامح مليكه و يتحدى الزمن قبل أن يعرف العلم طريقة لأعادة صقل الوجوه و نحت الملامح من جماجمها ....

الأرستقراطية الأوروبية في العصور الوسطى وجدت غاية جديدة في الأقنعة .. المتعة ولو لليلة واحدة يتقمص فيها الأنسان شخصية خيالية أو أسطورية تحرره من رتابة حياته اليومية .. و تمنحه قليلا من الرضا عن النفس و التحرر من القيود و ربما المغامرة ....

الأقنعة مُحَرِرَة هكذا اختار شيكسبير أن يعبر عنها في رواياته .. فعندما ترتدي قناعك تستطيع أن تُعَبٍر بحرية أكثر عن ما يجيش في صدرك من حب أو ربما بغض !! .. تتحرر من شخصيتك اللتي تقيدك و تتنصل من كل مسؤولية لتنطلق و تُطلق العنان لكل ما يجيش في صدرك ....

ربما كان هذا ما يجعلني أفكر في الأقنعة كثيراً هذه الأيام .. فالكل يختفي خلف اسم مستعار وقناع مختار ليكتب ما يريد عمن يريد أو يطلق أشاعة تفتك بأيٍ من كان مسيئاً استخدام طفرات البشرية الأليكترونية .. و كأننا نسخر من ماضي الأنسانية ولا نتعلم منه الا كيف نسيء أستخدام اكتشافاته اللتي كانت يوماً حدثاً عظيماً أو اختراعاً فريداً ....

ولربما كان الأسوأ من الأسماء المستعارة هو الأفكار المستعارة فكم من البشر يلعبون بالألفاظ و يتفننون في تلوين شخصياتهم ويبدلون الأقنعة حتى يصلوا الى غاية أو غايات لا يدركها من حولهم ألا متأخراً و ربما متأخراً جداً .. وهنا لا أعني السياسة فقط و أنما حتى في الحياة العادية اليومية لكل منًا .. وتكون الصدمة عندما تهوي و تسقط الأقنعة ولا محالة فلابد لها من أن تسقط ولو للحظات قصيرة .. و قد يكون في سقوطها سقوط في هاوية تدمر من استخدمها الى غير رجعة ....

دعونا لا نظلم كل من يرتدي قناعاً .. فهناك من يرتديها ليس خداعاً ولا استعلاءً و أنما حماية لنفسه أو ربما ليعزل نفسه عن محيطه .. وما أكثر الأسباب في الحياة اللتي تجعل الأنسان يزهد في حياة مخيبة أو مجتمع منافق .. البعض يسميها تِقْيَة اجتماعية أو ربما نفاق .. والبعض الآخر يجدها احتفاظاً بالحق في الخصوصية خاصة في مجتمعات لا تعرف حدوداً بين الحريات العامة والخاصة أو بين التقاليد الأجتماعية والخصوصية الشخصية .. مجتمعات لا تحترم التميٌز الفردي بل قد تذهب حتى لتُميٍز ضد التَميز والأبداع ....

دعونا نواجه أنفسنا .. من منا لا يحتفظ بقناع أو اثنين لمناسبات معينة أو عند التعامل مع مواقف محددة مسبقاً .. هل نستطيع أن نتخلى عن أقنعتنا و نسقطها بأنفسنا قبل ان تسقط من تلقاء نفسها ؟ .. هل نبحث عمن يستطيع ببصيرة نافذة أن يخترق كل الأقنعة ويقرأ ما خلفها ؟ .. أم هل نختار بأنفسنا لمن نعطي هذا الحق ؟ .. هل نخشى من يستطيع أن يقرأ ما بداخلنا أم نُقَدٍرُه ؟ ....

أسئلة كثيرة تدور في عقلي حتى عن أقنعتي أنا شخصياً .. والأجابة الوحيدة اللتي أستطيع أن أصل أليها هي أنه لا ثوابت في الحياة .. منطق الأمور يختلف من مكان الى آخر ومن ثقافة الى أخرى و من أنسان لأنسان مختلف في الشخصية والخلفية والتركيبة النفسية .. و أن كنت أتمنى أن أجد مكاناً لا يضطر قاطنوه لأرتداء الأقنعة .... لا تصدقوا شكسبير الأقنعة ليست دائماً مُحَرٍرَة ....