Monday, November 14, 2011

فوقية و علوية ....


فوقية و علوية أسمان أنثويان كانا منتشرين في مصر حتى منتصف القرن العشرين ... من ميراث الأمبراطورية العثمانية والبورجوازية التركية ... كانت تسمى بهما الأميرات وبنات العائلات العريقة و كان الشعب المصري يختارهما لبناته حباً في شخصية معينة أو تقليداً يوحي بعراقة الأصل أو سمو الشأن ... ثم انتهي عصر فوقية و علوية ليأتي عصر مديحة و نادية و سهير ... يليه عصر سحر و مها و ريم ... لنعود و نتذكر فريدة و خديجة و عائشة في عصرٍ تالٍ ... يسلمنا الى جيل حلا و جانا و لجين و كنزي و أسماء كثيرة من أصول مختلفة تعبر عن الشياكة والأطلاع والتفرد في رأي من يختارها لأبنته ...

ثم تعود فوقية و علوية لتظهرا على الساحة مرة أخرى و بقوة و بعنف في المجتمع المصري و أن كان العود ليس بأحمدٍ على الأطلاق ... فلم تعودا فوقية و علوية لتكونا أسمان من أسماء بنات مصر ... بل عادتا لتكونا من السمات الأوضح في خطاب من يدعون النخبوية والثقافة في المجتمع المصري ... عادت فوقية و علوية لتكونا صفتين و ليس اسمين ... كانتا أسمين لطيفين تحولتا الى صفتين بغيضتين ...

بدأنا منذ حوالي تسعة أشهر نسمع عن حزب الكنبة "اللي لا منه ولا كفاية شره" في لغة فوقية قبيحة من بعض السفهاء المحسوبين على الطبقة "المثقفة" في مصر ... و ظهر الأتهام الأشهر للشعب المصري بالخنوع و السلبية ليصل الى الأتهام بالأمراض النفسية و منها الماسوشية و التعاطف مع معذبيه من قبيل "ستوكهولم سيندروم" الذي اطلقه أحد الكتاب ممن ازدهروا و اشتهروا في العهد السياسي السابق لمصر برغم ضعف موهبته و اعتماده الدائم على الأرتباط الشرطي لبافلوف في كتاباته ... ولكن النابغة خالع الضروس "مع أجلالنا و احترامنا لكل أطباء الأسنان اللي بيخلوهم في شغلهم طبعاً" انطلق هذا النابغة ليصبح خبيراً استراتيجياً في كل شيء بدءاً من الطب النفسي و حتى الفقه الدستوري و ربما قريباً التعليق و التحليل الرياضي ليُنصٍب من نفسه وصياً على شعب جاهل أحمق لا يرقى الى مستوى الأنسانية من وجهة نظره طبعاً و يتحفنا بعراك وهمي من حين الى آخر يليه في كثير من الأحيان الأدعاء بأن بريده الأليكتروني قد تمت القرصنة عليه في وقت هو شخصياً يستخدمه لأعلامنا بذلك ...

ثم يظهر تصنيف جديد من دعاة الفوضى و من تراهم حاضرين دائماً صارخين لاعنين في كل أحداث التخريب الأخيرة ... تصنيف عجيب في الحقيقة يعتبر "المواطنين الشرفاء" وصف حقير يعبر عن الدونية من وجهة نظر فوقية علوية لواحدة من أكثر الشخصيات بذاءة و عفونة في تاريخ الصحافة المصرية المكتوبة ... و كأن كونك مواطناً شريفاً تحترم القانون و تدافع عن كيان دولتك هو سُبًة و وصمة عار كأنك من أصحاب السوابق ... من المفهوم طبعاً أن المواطنين الشرفاء أولئك هم أكبر خطر و أقوى عدو يجابهه أصحاب دعاوى التخريب و الفوضى و مشروع اللادولة  فتُحقٍرهم شخصية تهذي لأنها "هي عن نفسها انبسطت" غير ملقية بالاً الى كيف سيكون رد فعل هؤلاء المواطنون الشرفاء عندما يأخذون القرار بأن "يزيدوها انبساطاً على انبساطها" ...

لنجد أحد ألمع الأعلاميين يتبنى منهجاً مميزاً الحقيقة في أن يعتبر كل مختلف معه في الرأي مريضاً نفسياً و يتصل به تليفونياً على الهواء و بجواره قامة كبيرة من قامات الطب النفسي في مصر آملاً أن يشخص الدكتور الكبير العالم مرض هذا الشخص المختلف للناس و يقول لهم أنه مصاب بكذا و كذا ... و عندما يصمت الطبيب و يمتعض من الأسلوب المنحدر لوصم المختلفين في الرأي بالمريض النفسي ... ينفعل الأعلامي المرموق و يهذي بأشياء غير منطقية متناسياً أنه لربما هو من يحتاج مساعدة نفسية و ليس المواطن البسيط الذي لم يقل له شخص أبداً طوال حياته ما هي الحقيقة و عاش عمره لا يعرف أعلاماً سوى اعلام جوبلز المباركي بقيادة زعيم العصابة صاحب العبارة المضحكة "نحن نعيش أزهى عصور الديمقراطية" ... فلا ذنب لشخص تم تشويه وعيه و تلقينه صباحاً مساءً معلومات مشوهة و حقائق مغلوطة ... هذا ليس بالمرض النفسي و لكنه محنة شعب لم يكن القائمون على أدارة شئونه أمناء عليه و على مواطنيه كما يجب ... و لربما كان على الأعلامي المحترف الذي يعلم الحقيقة أن يقدم خدمة جليلة لبلده و ينزل الى مستوى العامة والبسطاء ليخاطب فطرتهم ويرتقي بوعيهم و يجمعهم معه على هدف واحد ألا و هو النهوض ببلد في أزمة بدلاً من أن يستخدم فوقية و علوية هذا الأستخدام الوضيع و يحيك الحيل و الألاعيب ليغطي أفلاسه و ليكسب شعبية وهمية أو يبني مجداً زائفاً وقتياً حتى تنكشف ألاعيبه لتكون خسارته جمة ...

و هناك ايضاً من تخيل انه ورث مصر بشعبها من العبيد ... قائلاً كنتم عبيد مبارك و آن الأوان أن تكونوا عبيداً لنا و نحن صراحة نعمل على هدم أعمدة الدولة بخطط ممنهجة من تشويه السمعة والهجوم اليومي عليها ... معتبراً الكل أغبياء ... و يا ويله من يعتقد أنه الوحيد الأذكى فينتهي به الحال الغبي الوحيد الذي يلفظه حتى حلفاؤه ممن ملأ أدمغتهم الخاوية بعنترية فوقية و علوية اللتي تشبع غرور الجهلاء ممن لم يقرأوا كتاباً في حياتهم و يظنون أن الوقت قد حان ليرثوا البلاد و يتحكموا في مصيرها و تحضرني لبعضهم مشاهد هزلية مضحكة من القائل أعطونا الموازنة لنتصرف فيها الى أحمق آخر يريد أن يستعمل كل وسيلة حتى الغير أخلاقي منها لمنع أي مصري مختلف من التعبير عن رأيه قائلا "اللي يقولك أنا من حقي أعبر عن رأي اشتمه بكذا و كذا دول كلاب جهلة مالهومش الحق في أي شيء" ...

وآخرون كثيرون من طبالين و عوالم "مع جزيل احترامنا لكل الفنانين برضه اللي بيخلوهم في شغلهم" ... و لكن هؤلاء الدراويش و الطبالين و العوالم الغير محترفين لا يستحقون أصلاً الكلام عنهم ... و كلهم ومن سبق ذكرهم يعتمدون أن الشعب ينسى و ينسون هم أن بعض منا له ذاكرة الأفيال و لا ننسى و لا نغفر ... خاصة عندما نعلم أن من أمامنا كان يستطيع مساعدة بلده في محنتها و لكن تخاذل مفضلاً سبوبته الشخصية و العمل جاهداً لحساب من يدفعون له ...  

ونجد آخرين من المتاجرين بالدين والمتحدثين باسم الأله يكلمون الناس بفوقية و علوية عجيبة و كأنهم يحتكرون الحقيقة كاملة ولا مجال لمناقشة أفكارهم الجهنمية والا قفز في وجهك كارت الأرهاب الشهير "أتجادل كلام الله و الرسول" ... فهم الأنبياء المعصومين المرشحين ليس للبرلمان والرئاسة ولكن لخلافة النبي في الأرض و بعضهم يرشح نفسه نبياً أو رباً يملك مفاتيح الجنة ليفتي بحرمة التصويت لبني ليبرال و بني علمان الملاحدة و يقرر التخلص من نصف المجتمع خلف خيام سوداء يسمح لهن فقط باختيار نوعية أقمشتها و ربما الى حين ... ويستعيض عن وجه نائبة محتملة للشعب بوردة ولا يدري الشعب أهي وردة أم فجلة ... و يقول البعض لخاصتهم نبيح المحظورات للضرورات حتى اذا فزنا ألغينا كل مظاهر الدولة الحديثة و أعلنا الخلافة الطالبانية ... فوقية و علوية ممزوجة بجهل مدقع بأبسط قواعد السياسة و المنطق و أنكار للآخر في حق الوجود و الأختيار و عنصرية شديدة تجاه كل صاحب فكر مختلف تصل بهم الى مناقشة حق الأنسان المطلق في الأختيار و الذي ضمنه له خالقه متناسين أنه حتى في الأسلام الذي يتشدقون باسمه لا تكليف بلا حرية فشروط التكليف أن تكون راشداً عاقلاً حراً تملك قرارك لتقبل التكليف أو ترفضه أو أن تعمل بكل ما كلفت به أو أن تُقصٍر حتى يحاسبك ربك وليس شيوخ الستائر و الجدران العازلة و قيادات غزوة الصناديق و أصحاب طمبولا عقود الزواج ...

و من أهم تجليات فوقية و علوية هي تلك المتعلقة بتصويت المصريين في الخارج ليصل بعضهم الى القول أنهم هم فقط من يحق لهم تقرير مصير مصر في جمهوريتها الثانية !! ... لا ننكر على كل من يحمل الجنسية المصرية حقه في الأدلاء برأيه في الأنتخابات القادمة ... و لكن من منهم حقاً يستحق هذا الحق فعلاً ؟ المصري المغترب الذي يعمل بالخارج ! أم المهاجر الذي ذهب ليبحث عن وطن ثانٍ و له في ذلك كل الحق !! أم الجيل الثاني من أبناء المغتربين الذين لا يعرفون عن مصر الا ما قرأوه في الكتب و ربما لا يعرفون حتى لغتها ... ماذا عن المهاجرين غير الشرعيين الذين ربما يضاروا أشد الضرر من ذهابهم للتصويت ؟ ... ماذا عن مزدوجي الجنسية ممن يحاولون الأندماج في مجتماعتهم الجديدة اللتي تختبرهم طوال الوقت في وطنيتهم و انتمائهم نظراً لقدومهم من بلاد شرق أوسطية موصومة بأنها صدرت الأرهاب للعالم ؟ ... ماذا عن المصريين الذين لم يدفعوا ضرائب في حياتهم كلها و لم يساهموا بأي شيء لمصر ؟ ... ماذا عن المصريين في الخليج و اللتي لن تسمح لهم تلك الدول بممارسة حقوق سياسية في حين مواطنيها لا يمارسون هذه الحقوق ؟ ...

و مع تمسكي كموقف شخصي بالسماح للمصريين المغتربين بالتصويت أجد أنه ليس من العدالة أبداَ أن يتكلم البعض عن أن المصريين في الخارج هم المنقذين و الوحيدين المطلعين على الحقيقة و الوحيدين الغير مغيبين أو بعبارة أخرى هم البشر و نحن من بداخل مصر جهلة مغيبين عبيد أو بهائم لا نستحق ان نمارس حقوقنا السياسية باختيار برلماناً جديداً يمثلنا ... فمع احترامي المصريون المغتربون لم يكونوا هم ال 16-21 مليون مصري الذين شاركوا فعلياً في الشوارع في الأيام ال 18 للثورة فحتى عددهم على أقصى تقدير هو 8-10 مليون مصري ... فليصمت الفوقيون العلويون لأن المصريين بداخل مصر هم من صنعوا الثورة و من أبوا أن يُوَرثوا فكان لهم ما أرادوا و أسقطوا نظاماً سياسياً أساء الى بلادهم طيلة 30 عاماً ... شاركونا ولكن أياكم و أن تفكروا أنكم أفضل منا فمنا كثيرون في مصر بالأختيار كانت لهم فرص عديدة في الخروج و الهجرة و لكن أختاروا البقاء ...

نحن شعب لم يُختبر منذ 60 عاماً لم نختر ولم نشارك في صنع قرار بلادنا الا فيما ندر ... و لكن هذا لا ينفي عنا أبداً أهليتنا للأختيار ... صحيح قد نكون غير مستعدين ثقافياً للمرحلة و لذا نلعن نخبتنا المثقفة اللتي لم تأخذ بيدنا و تنير بصيرتنا بما خفي عنا و تركتنا فريسة للدجالين و المشعوذين و المدلسين و أصحاب الأفكار الهلامية المهلبية من الماسونية و ما شابه ... و لكن فليختار المصريون من شاءوا وليتعلموا الديمقراطية و يُشكِلوا مستقبل وطنهم كما يريدون ... و اذا أخطأوا فهم قادرون على اصلاح أخطائهم و قادرون على بناء الوطن الذي يرضيهم ... و هم أيضاً قادرون على أن يفرزوا نخبة جديدة تمثلهم وتساعدهم ولا تتعالى عليهم ...

يا رواد التحرير لما هتفتم الشعب يريد أكنتم تعنون حقاً الشعب المصري أم اختزلتم الشعب في أنفسكم !! ... أم أدركتم متأخرين أنكم لا تريدون هذا الشعب و أنه لا يناسبكم ؟ ... أحان الوقت لتهتفوا نريد تغيير الشعب !! ... ماذا لو كان من المستحيل أن يخضع لكم الشعب !! ماذا لو أخرج لكم لسانه و قال بمنتهى البساطة اللي عاجبه الكحل يتكحًل و اللي مش عاجبه يرحل !! ... ماذا لو لفظكم الشعب و ثار عليكم ليسقطكم كما أسقط مبارك !! ... أن لم تدركوا الحقيقة اليوم فستدركونها و ستندمون حيث لا ينفع الندم ... و حيث لن تقف معكم لا فوقية ولا علوية أمام شعب أغضبتوه و أهنتوه ... أنتم وحدكم أمام شعب كامل الآن ... أما أن تكسبوه أو أما أن تختفوا الى الأبد ...

يا مثقفينا و نخبتنا ... يا من ابتُلينا بهم ... يا من تقدسون فوقية و علوية ... بلد العقاد و الحكيم و طه حسين و نجيب محفوظ قادرة على انتاج أمثالهم ... بلاد مصطفى و على أمين و محمود السعدني و أحمد رجب و أنيس منصور و أسامة أنور عكاشة و كل العظماء الذين قد لا تتسع لذكرهم صفحات طويلة بلاد ولادة ... سيحين الوقت لنلفظكم جميعاً و ننتج لأنفسنا أجيالاً جديدة عنان ابداعها ينطلق الى السماء ... أفيقوا يرحمكم الله فالوطن في أزمة ... اهجروا فوقية و علوية و تذكروا فقط مصر ... أحقاً تعرفون من هي مصر !!