Monday, June 11, 2012

إحتقار الديمقراطية أم إحتكارها !







مبدئياً أنا لا أجدها ثورة .. نعم لا أعتبر ما حدث في 25 يناير 2011 ثورة .. رأيِ كونته في خضم الأحداث نفسها وكنت ومازلت أصر على أنها إنقلاب إخواني على النظام الجمهوري في مصر وليس على مبارك فقط .. إنقلاب استعان بغطاء مدني هش ليداري هويته .. والأهداف واضحة وصريحة .. هدم الدولة وأعمدتها الأساسية .. مؤسسة الرئاسة .. البرلمان .. الشرطة .. القضاء .. الجيش .. والجيش يختص بالإهتمام الأكبر في عملية الهدم فهو أقوى وأكبر وآخر جيوش المنطقة العربية .. ليأتي الهدف الأسمى وهو تأسيس دولة التمكين من أجل إقامة الخلافة الإخوانية بزعامة الدوحة .. لذا كان للقومسيونجي القطري الدور الأبرز في ترتيب الدعم العالمي وخاصة الأميركي للإنقلاب الإخوانجي في مصر .. 

أمريكا أعلنتها صراحة وبين السطور منذ سنين عدة .. لن تسمح للعرب بمنع البترول عنها مرة أخرى كما حدث أثناء حرب أكتوبر 73 وتجد الأفضل لمصالحها هو خلق شرق أوسط كبير يتشكل بعد موجة عارمة من الفوضى الخلاقة .. وهذا الكلام أفهمه على أنه تأسيس لحرب طائفية مذهبية في الشرق الأوسط تضعف دوله جميعها وتفتتها وتجعلها عرضة للتقسيم والإحتلال والسيطرة على مصيرها بما يخدم أمن ومصلحة اسرائيل ويحفظ مصالح الولايات المتحدة الأميريكية في السيطرة على منطقة غنية بالنفط والموارد الطبيعية الأخرى التي بدأت تشح في باقي مناطق العالم الخاضعة لسيطرة الدول المتقدمة ..

الحرب النفسية في مصر بدأت منذ فترة طويلة وعلى أصعدة مختلفة وشارك فيها كثير من المصريين البعض عن علم والبعض عن غفلة .. والغفلة إختيار وكذلك الخيانة إختيار .. بدأت ملامحها تتضح في كليبات السخرية من القوات المسلحة المصرية والتي انتشرت بقوة وعنف في 2010 واختصت بالسخرية من التصنيع الحربي واختزاله في مصانع الأدوات والأجهزة المنزلية .. بجانب مقالات وتدوينات انصب هدفها في الطعن في بعض القيادات السياسية المحترمة والبعيدة عن الفساد المعروف للقاصي والداني في مصر وكان هدفها الآخر صنع الأيقونات .. وفن صناعة البطل يتجلى في أبدع صوره فيما يعرف بالثورة المصرية .. إحدى ثورات الزهور التالية للثورات الملونة .. 

بدأ الإخوان بعد ما خلع الجيش مبارك في تقسيم الشعب حتى تتم لهم السيطرة على طريقة فرق تسُد .. ولطالما حيرني اختيارهم لمصطلح "الفلول" وهو ما يعني في اللغة العربية بقايا الجيش المنهزم المدحور .. ولأنها لم تكن حرب بالمعنى المفهوم بعكس ما كان في العراق بلد المنشأ الأصلي لمصطلح الفلول حيرني جداً إختيار هذا المصطلح من جانب الإخوان وإطلاقه في مصر .. إلى أن جاء صديق عزيز ليفسرها ببساطة وحكمة بالغة فيقول لي : بعد الثورات يوجد فقط رجعية وتقدمية .. الرجعية هي ما تمثل من يريد العودة للوضع السابق والتقدمية تمثل الموافقين على أهداف تلك الثورة والراغبين في السير بها إلى الأمام .. بعد تلك المناقشة مع صديقي الحكيم بدأت أرى الأمور أكثر منطقية فكيف يقر الإخوان بمبدأ من مع أهداف الثورة تقدمي وهم الغالب الأعم من المصريين في حين أن هدفهم هم هو الرجعية !! بل كيف يسعون إلى ضم أكثرية الشعب إلى ركاب تلك الثورة وهم يريدون أن يظلوا وحدهم وهم قلة قليلة المسيطرون !! .. لذا كان لابد من مصطلح آخر ينسحب على بقايا نظام مبارك لينسحب بعدها بهدوء على غالبية الشعب المصري ..

ساعدهم كثيراً الغطاء المدني الهش من نخبة فاسدة تبيع ضميرها لمن يدفع حتى وإن كانت النتيجة دمار وطن .. فاستمرت النخبة الضلالية في نشر التصنيفات على المصريين من مرضى نفسيين بمتلازمة ستوكهولم إلى الوصف السفيه "حزب الكنبة" إلى لاحسي البيادة وهم من يأخذون صف الجيش المصري الوطني ويرفضون تفكيكه أو التعدي عليه .. إلى المواطنين الشرفاء في سخرية من خطاب الجيش للمصريين طالباً منهم وهم المواطنون الشرفاء أن يتحلوا بالإيجابية ويشاركوا في إنقاذ وطنهم .. ولكن يظل وصف "الفلول" هو الأعم والأشمل وهو ما يركز عليه مرشحي الإخوان في انتخابات الرئاسة في تأليب المصريين على بعضهم البعض من التوعد بدهس الفلول بالأقدام إلى التهديد بمعاقبتهم وتصفيتهم إلى وصف منافس مرشحهم في الجولة الثانية بمرشح الفلول والثورة المضادة .. في حين نجد المرشح المنافس يتحدث بلغة تصالحية ويسمي الأشياء بمسمياتها الواقعية ..

ويلفت انتباهي وصف الإخوان للمرشح المنافس لمرشحهم بوصف مرشح الثورة المضادة .. مما يعني أنهم هم الثورة ومالكيها الأصليين .. في حين نجد من شاركوا في تلك الثورة من الشباب في حيرة شديدة من ينتخبون ويجنح معظمهم إلى إبطال صوته أو مقاطعة الإنتخابات في إعتراض صريح على أن مرشح الإخوان هو مرشح الثورة .. والأعجب من ذلك هو تصريح الإخوان ومرشحهم أن لا رئيس إلا منهم وإلا فسينزلون للشوارع في ثورة أخرى .. ثورة هي في هذه المرة ضد إرادة الشعب التي عبر عنها بديمقراطية الصندوق .. ولكن هل فعلاً الإخوان يفهمون الديمقراطية أو يمارسونها ؟ هل هي في أدبياتهم ؟ .. الإخوان في فكرهم وأدبياتهم يعلنون بصراحة أنهم لا يحترمون الهوية المصرية ولا القومية المصرية ولا الدولة المصرية أو حدودها كدولة مستقلة .. فهم شعب الله المختار وهم الأعلون !!

كيف إذن يستطيع أي شخص أن يقول أن الإخوان يحترمون الديمقراطية وأنهم سيؤسسون لتداول سلطة في مصر ؟ هل مباديء السمع والطاعة وتدجين عقول الأتباع يمكن أن تنشيء ديمقراطية تمثيلية تمثل الشعب كله وتؤسس لحكم المؤسسات وليس الفرد وتعتمد تداول السلطة ونقد الحكام ؟ هل يمكن احتكار الديمقراطية ؟ هل هي قابلة للإحتكار أم أن ما يفعله الإخوان هو احتقارها ومحاولة هدمها بأحد معاولها وهو الإنتخابات ؟ .. وما هو موقف الشارع المصري من ذلك كله ؟ هل يستوعب الأمر كما هو ؟ هل سيأخذ المنحى السلبي بعدم المشاركة أم سنرى إقبالاً على صناديق الإنتخاب ؟ حقاً لا أدري وربما إذا تمت جولة الإعادة بعد 6 أيام أجد جواباً واضحاً لتساؤلات كثيرة ..