Monday, April 1, 2013

نبتدي منين الحكاية !؟






لازال العندليب الأسمر ملهماً رغم مرور 36 عاماً على رحيله .. هكذا المتميزون دائما وأصحاب المواهب المتفردة .. يرحلون ويبقى تأثيرهم ربما لقرون طويلة بعد رحيلهم .. بحثت ولم أجد أبلغ من عنوان أغنية حليم ليكون عنواناً لما أريد أن أقول اليوم .. حكاية متشعبة البدايات كثيرة التفاصيل متعددة النهايات .. حكاية تخص أطرافاً مختلفة تقف على النقيض أحياناً وتجتمع في لحظات قصيرة لتتفرق بعدها .. حكاية بدأت قبل الخامس والعشرين من يناير لعام 2011 بمدة ليست بالقصيرة .. حكاية عن المستقبل تغيرت بأفاعيل الواقع لتصبح حكاية عن العودة لما كان .. للحدود الآمنة وتعريف البديهيات ومناقشة المُسلًمات .. 

حكايتي عن الطبقة المتوسطة المتعلمة التي أنتمي إليها ولا أزايد على أحد .. طبقة كانت ومازالت تكافح من أجل الحياة في مصر في ظروف أقل ما توصف بالصعبة .. طبقة خسرت الكثير بسبب إنقلاب يوليو 52 وكسبت بعض المكاسب المحدودة .. طبقة هي الأكثر تأثراً بعدم تكافؤ الفرص وإرتفاع تكاليف المعيشة مع طموحها لحياة ومستقبل أفضل لأبنائها ..

في يناير 2011 وفي خضم المعاناة اليومية فوجئت الطبقة المتوسطة بهزة كبيرة ترج مصر من مجموعة من الشباب الحداثي المتفتح تطالب بتغيير الواقع وهو ما جعل الكثيرين من أبناء الطبقة المتوسطة ينضمون إلى ذلك الحراك مسحورين بشعاراته عن العيش والحرية والكرامة الإنسانية والعدالة الإجتماعية وكلها شعارات لا يمكن أن يرفضها أحد .. بل بالعكس لا أبالغ إن قلت يطمح إليها الجميع وخاصة الطبقة المتوسطة ..

بتوالي الأحداث اختلفت الرؤى والآراء تجاه ما حدث فسماها البعض "ثورة" وكانوا هم أصحاب الصوت العالي ورآها البعض الآخر محاولة ناجحة لقلب نظام الحكم تبناها الجيش المصري كثورة في إنقلاب منه على قائده الأعلى وإسقاطاً لدولة يوليو التي أسسها أسلافه من تنظيم الضباط الأحرار .. الأسباب الحقيقية وراء ما فعله الجيش تظل مجهولة برغم كل محاولات التكهن بها وربما يظهرها القادم من الأيام وربما لن نعلم الحقيقة أبداً ..

بعدما تمت إزاحة النظام السابق ونجحت حركة يناير في قلب نظام الحكم بدأ الإستقطاب ومورست على جموع الشعب المصري أقسى أنواع الحرب النفسية .. وإذا بثورة "الحرية" تقمع الآخر وتوصمه وتهمشه وتتجرأ عليه ليعاني من أبشع أنواع بلطجة الرأي والإرهاب الفكري وتجريس المختلف من أبواق صاعدة معظمها من المتلونين والمتسلقين والباحثين عن فرصة في خضم الفوضى .. 

ولما بدأت الأمور تتضح للكل وتتبلور النتائج التي تُفشي أسرار البدايات ويظهر المستفيد .. اتضح أن ما حدث هو مسرحية هزلية غطت على محاولة ناجحة لقلب نظام الحكم في مصر برعاية أميريكية واختراق داخلي بتجنيد غطاء علماني هش يغطي على الوريث الإخواني الذي اختارته أمريكا والذي لو كان ظهر بوجهه من اليوم الأول لما انضم إليه أحد .. الغطاء العلماني الهش مدفوع الأجر جمًع حول "هوجة يناير" الحالمين والمطحونين والمخلصين الراغبين في وطن حر قوي ودفع بهؤلاء ليكونوا وقود حرب وليقدمهم قرباناً على المذبح ليكسب بهم وينجح في إسقاط النظام القائم لصالح من يخدمهم .. البعض كان خادماً وفياً منتفعاً والبعض كان مغفلاً .. كلٌ أدرى بحاله ولكن الخلاصة أن التحريريين خدموا الإخوان وقدموا لهم مصر على طبق من فضة ..

الحقيقة ليس مهماً من كان سيء النية ومن كان حسنها فكلهم مارسوا أبشع أنواع التنكيل بالمختلف معهم في الرأي .. حتى وصلنا للإنتخابات الرئاسية وكان اختيار الناخبين للوضوح للأبيض والأسود وليس لكل ما بينهما من درجات الرمادي .. عندما نزلت للإنتخابات في المرحلة الأولى وأعطيت صوتي للفريق شفيق لم أكن أتخيل أنه سيصل لجولة الإعادة ولكن خمسة ونصف مليون مصري وأنا منهم نزلوا ليوصلوا رسالة واضحة للظواهر الصوتية الفاشية في مصر لستم وحدكم على هذه الأرض ونحن نعلن عن وجودنا .. عن نفسي كنت سأعطيه صوتي ولو لم ينتخبه أحد غيري ..

ولما وصل الرجل إلى جولة الإعادة وكان قريباً من مقعد الرئاسة تبنى خطاباً تصالحياً مسئولاً من موقع القوة فهو كان يسعى لأن يكون رئيساً لكل المصريين وأظنه كان صادقاً في ذلك .. فالتصالح من منطلق القوة يختلف كلياً عن الإنبطاح من الضعيف .. الرجل كان معززاً بكتلة تصويتية كبيرة وهبته ثقتها وكان لابد له أن يكسب ثقة الباقين وقد فعل فكسب بموضوعيته وخطابه المسئول على الأقل ستة ونصف مليون ناخب في المرحلة الثانية زيادة على من انتخبوه في المرحلة الأولى ..

تتعالى اليوم دعوات من حملة الفريق شفيق السابقة إبان الانتخابات الرئاسية مطالبة من انتخبوه بالتصالح مع التحرير وإفرازاته والحقيقة أنا أجدها دعوات مثيرة للدهشة وقد كنت أظن أن لا شيء يمكن أن يثير دهشتي في مصر بعد ما خضناه في الست وعشرين شهراً الماضية .. لا أدري ما سبب تلك الدعوات ولا أدعي أنني أفهم منطقها خاصة وأن من يدعون إليها قد بدأوا بممارسة ما عانيناه وعانوه معنا من بلطجة الرأي ووصم المختلف وصولاً إلى محاولات الإغتيال المعنوي لكل من يخالفهم بصورة فوقية متعجرفة بغيضة ..

يقولون مبارك دعى التحريريين للتفاوض معه وأرد مبارك كان رئيساً لمصر يتصرف بدافع مسئوليته عن أمن وأمان ووحدة الوطن .. سليمان تفاوض فعلاً معهم .. نعم سليمان تفاوض مع التحريريين والإخوان من واقع مسئوليته كنائب لرئيس الجمهورية وقتها واجتمع بالكل لأن هذا واجبه .. وفي أحد تلك الإجتماعات كان الرئيس محمد مرسي حاضراً وكلهم يجلسون تحت صورة الرئيس مبارك .. مبارك وسليمان دعيا للم الشمل والتصالح والتفاوض من مقعد القوي وليس الضعيف .. كان ذلك حقيقياً عندما تفاوض مبارك وسليمان مع الإخوان ورفاقهم التحريريين وصالحاً وقتما كان شفيق الأقرب إلى كرسي الحكم ولكن الوضع اليوم مختلف تماماً ..

يقولون السياسة هي فن الممكن ولابد أن تتسم بالمرونة وهذا حقيقي مائة بالمائة ولكن السياسة أيضاً هي مباديء ومصالح .. المباديء لا تُجزًأ ولا مصالح لناخبي شفيق مع التحريريين .. فالتحريريين وعلى مدار 26 شهراً من معاناة المصريين خسروا الكثير .. لا وزن سياسي لهم ولا قيمة شعبية ولا أحد يستمع لهم ولا حتى يهتم بما يقولون .. هم فقط ظواهر صوتية في الفضائيات وعلى مواقع التواصل الإجتماعي أما الشارع فله شأن آخر .. من لا يُخوِنهم في الشارع أو يكرههم بسبب مواقفهم المتتالية من الجيش والإخوان وعموم المصريين المختلفين معهم في الرأي على أقل القليل يصفهم بالفشلة .. بعد ما نكًل بنا التحرير وكاد يعيدنا إلى العصور الوسطى ها هو يغرق فلم يريدون أن يعطوه قبلة الحياة ! 

وإذا ما تحدثنا عن مسئولية التحرير عن خراب مصر أمنياً واقتصادياً وانهيار الدولة قالوا أننا نمارس "المُعايرة السياسية" .. وهل في السياسة علاقات شخصية حتى "نُعاير" بعضنا البعض ؟ .. ألا يجب أن يتحمل كل فرد مسئولية أفعاله ؟ .. ألا يجب أن يُقر الجميع أن من تم اقصائهم والتنكيل بهم كانوا أكثر موضوعية وأحصف فراسة ورأوا ما حدث قبل أن يحدث ؟ .. لمَ تبحثون عن مخرج لمن أساء للناس وخرًب البلاد بأفعاله اللامسئولة ؟ حقاً لا أفهم ! .. 

نظام مبارك لن يعود ونظام الإخوان لن يستمر .. هكذا هي حقيقة الأمر في الشارع وهذه هي الإرادة الحقيقية لجموع الشعب .. ليس في الشأن العام مجال للعواطف وللحب وللكره .. فقط هو مجال لتوافق المصالح والبحث عن ما هو أفضل لصالح الشعب في مجمله .. ولذا أقول للأصدقاء الأعزاء الذين لا أشك ولو للحظة في إخلاصهم وحرصهم على مصلحة مصر ونجاتها من عثرتها أنتم توجهون خطابكم للجمهور الخطأ .. فناخبي الفريق شفيق ومن والاهم ليسوا بصدد إقصاء أحد ولكن هم من تم اقصائهم ومحاولة تصفيتهم معنوياً بلا جريرة ولا ذنب جنوه سوى أنهم قرأوا الأمور قبل أن تحدث واختاروا الاصطفاف مع مصلحة الوطن بعيداً عن أي منفعة شخصية .. 

ناخبي شفيق لا يحتاجون إلى مد يدهم لمن لا يريد التوافق من أجل مصلحة الوطن .. لا يستطيعون مد يدهم إلى الأقلية الغارقة التي لطالما نعتتهم ولاتزل بالأرامل واليتامى والمطلقات -وكأن لهؤلاء المُشبًه بهم ذنباً أو أن حالتهم الإجتماعية مسبة- لا يستطيعون تغيير واقع أقلية لا تريد تغيير واقعها ولا تريد تحمل مسئولية أفعالها بطفولية ومراهقة منقطعة النظير .. خراب البلاد واقع .. إراقة دم العباد واقع .. فمن يتحمل المسئولية ؟ الجاني أم المجني عليه ؟ .. دعوات المصالحة عند توجيهها لناخبي شفيق هي دعوة للإنبطاح لا يوجد لها أي مبرر .. تلك الدعوات الكريمة النية والنبيلة الهدف يجب توجيهها لأقلية التحرير .. ولكن الداعين لها يعرفون الرد عليها مقدماً ..

أنا لا أمثل غير نفسي ولا أزايد على أحد ولكني قد أخذت عهداً على نفسي أن أكون لسان حال من لا يستطيعون التعبير عن أنفسهم لسبب أو لآخر .. لم ننتخب شفيق إلا لأننا وثقنا به ولكن لو خذل من وقفوا بجانبه اليوم وعُيِروا بإعطائه أصواتهم وأصروا وصبروا من أجل أن ينال رضا الظواهر الصوتية فلا أعتقد أننا يمكننا أن نثق به مرة أخرى .. فما معنى أن تنتخب شخصاً لقناعتك بإيمانه بقضيتك ثم يأتي بعد ذلك ليخذلك طمعاً في رضاء من جنوا عليك !؟ وعلى من يدعوننا إلى مد يد المصالحة أن يراجعوا مواقفهم ويوجهوا خطابهم للجمهور الصحيح الذي يجب توجيه تلك الرسالة إليه وليس نحن .. 

وهنا تسكت شهرزاد عن الكلام المباح وتكتفي بجملة واحدة .. خاطبوهم هم لو كنتم تستطيعون ..




No comments:

Post a Comment