Tuesday, September 6, 2011

ماذا بعد بلطجة الرأي !؟


لفت نظري في الثمانية أشهر الماضية و منذ انطلاق الثورة المصرية كثير من الملاحظات اللتي تخلق جدلاً واسعاً .. و دائما ما تنتج عن أغفال النخبة الجديدة للحقائق و العمل على اجتزائها .. ربما عن جهل أو استهانة بقيمة المعلومة وربما في أحيان أخرى عن قصد لمصالح و مآرب شخصية .. و ما أن تبدأ في التغريد خارج السرب بعرض فكرة مختلفة أو مناقشة طرح تجده غير منطقي فستجد الأهانات و الأتهامات تنهال عليك من كل صوب و حدب في محاولات مستمرة لتكميم فمك و أقصائك و جعلك عبرة لمن يريد أن يكون له رأي أو قناعة مختلفة عن القطيع .. 

أي عاقل متابع للأحداث منذ بدايتها يستطيع أن يرى أن الثورة المصرية و بصرف النظر عن من أين أتت الشرارة لأنه جدل لم تتكشف حقيقته بعد .. الا أنها كانت هبًة شعبية بامتياز جمعت فئات مختلفة و طبقات متعددة من الشعب المصري على هدف واحد و هو التخلص من نظام فاشل أنتج دولة فاشلة .. و المناداة بالحرية والكرامة والعدالة الأجتماعية .. و بعد أن تم تحقيق الهدف الأول ألا و هو سقوط النظام السياسي الحاكم في مصر بدأت تتشعب الأهداف و تتفرق المصالح و كأنما من قاموا بهذه الثورة قد انقلبوا عليها فجأة عندما شعروا أن مطالبها ممكنة التحقق .. فالبعض "حتى أتفادى التعميم الغير عقلاني" انقلب على مطلب الحرية .. لأنه لا حرية بدون حرية الرأي و هو لا يريد رأياً سوى رأيه هو و كأنه منزًه أو طبعة جديدة للنظام الفاشل الذي شارك في اسقاطه .. فصال و جال تصنيفاً للشعب من كنبة وفلول وثوار الى ليبراليين كفرة وعلمانيين ملاحدة و متأسلمين أبرار وماركسيين زنادقة .. ثم انقلب على مبدأ الكرامة ليجعل الكل بلا كرامة الا نفسه من خلال الهجوم على شخصية المختلف وليس على فكره .. فشخصنة الخلاف في الرأي ينتج عنها و بكل تأكيد عزل شريحة كبيرة من المجتمع عن التعبير عن أرائهم أو حتى محاولة فهم ما يلتبس عليهم من أمور حتى لا يتم الطعن في دين البعض أو وصم البعض الآخر وصمة الفلولية أو الكنبية أو الأنتفاع ناهيك عن الأتهام الجاهز بالجهل و التغييب و مشاهدة التليفزيون المصري .. وأصبح يخلط بين مبدأ العدالة الأجتماعية وفكر لينين وماركس و كأنما لا عدالة اجتماعية بدون الفكر الشيوعي و كأنما العدالة الأجتماعية تعني أما لا وجود لفقراء و هو ما فشلت فيه كل الدول الأشتراكية أو زيادة عدد الفقراء بانتزاع أموال الأغنياء و توزيعها على من لم يعمل و لم يسعى بكد و اجتهاد .. و كأنما العدالة الأجتماعية غير موجودة في دول رأسمالية من دول العالم الأول و كأنما العدالة الأجتماعية تتناقض مع الملكية الفردية و تحارب التميز والأبداع والعمل الجاد والأجتهاد ...

أجد الكثير من النشطاء مقتنع أن البرلمان القادم سيحكم مصر أو سيشكل حكومة تشارك في حكم مصر و هو لم ينتبه لنوع الجمهورية المصرية و ربما لا يعرف الفرق بين نوع و آخر ولا يدرك أن مصر منذ 1952 و حتى اللحظة هي جمهورية رئاسية صرفة .. تعيين الحكومة فيها مسؤولية الرئاسة و الكتل البرلمانية غير ملزمة للرئيس أن يختار منها حكومته ولكن وظيفة البرلمان هي طرح و نزع الثقة عن الحكومات فقط لاغير .. و حتى الأعلان الدستوري القائم حاليا يعتمد الجمهورية الرئاسية كقاعدة مبدئية لأدارة البلاد حتى كتابة دستور جديد والذي لا أعتقد شخصيا أنه بمجرد قبوله من الشعب سيتم حل البرلمان لتُعقد انتخابات برلمانية جديدة بناء على نوع الحكم في الدستور الجديد .. والا ستكون أقصر دورة برلمانية في التاريخ .. اعتقادي الشخصي أن الأعلان الدستوري سيكون دستوراً مؤقتاً حتى بعد انتخاب الرئيس الجديد و حتى تنتهي دورة البرلمان "ال 5 سنوات" و الفترة الرئاسية الأولى لرئيس لجمهورية "ال 4 سنوات" و بالتالي فمصر ستظل جمهورية رئاسية ل 5 سنوات قادمة .. الكل يتغاضى عن هذه النقطة ولا أدري لماذا ؟ هل فعلاً يجهلون !؟

أجد الكثير من "النخبة" الزاعقة الآن ينادي بهدم الدولة على عكس رغبة الشعب .. الشعب أراد اسقاط نظام سياسي وليس أسقاط الدولة بكل مؤسساتها ..و كأنما النخبة الجديدة اللتي أدعت قيادة ثورة شعبية وجدت نفسها تنقلب على الشعب ذاته و تتهمه بالجهل و التخلف طالما لم يجاريها في أرائها المتطرفة .. بل و تتعامل بديكتاتورية أقسى من ديكتاتورية النظام السابق و تُنصٍب من نفسها وصياً على الناس .. خيال النخبة المصرية "اللتي لا يعلم أحد حتى الآن من نخبها" يصور لها أن الصوت العالي سيوصلها الى الحكم حتى و أن لم يرضى عنها الشعب .. فعن أي حرية تتحدثون و عن أي ديمقراطية تتشدقون !؟ .. متناسين أن نخبة أي شعب لابد أن تنبت من هذا الشعب و تعبر عن ثقافته و مشاكله و تركيبته التاريخية بل و النفسية والا فهي مجرد طفيليات متسلقة لابد أن تختفى متى تم حرث الأرض و تجديد الهواء .. فالمجد تصنعه الشعوب ولا تصنعه النخب ..

أجد نشطاء "سياسيين" و مدونين يتبنون أفكاراً عظيمة و مشروعات جليلة و يدافعون عنها بشدة ويدونون لها مدونات طويلة عريضة .. المشكلة الوحيدة أنهم لا يعلمون عن ماذا يكتبون ! بل و البعض يتبنى مثلا القانون الجديد المطروح لأستقلال القضاء و هو لم يقرأه و لا يعرف سبباً لأعتراض البعض عليه أو كيفية حل هذا الجدل و الخلاف .. هل هذه هي القاعدة الآن أن تتبنى و تكتب ثم تحاول أن تفهم أو ربما لا تحاول حتى !؟ ..

أجد نجوماً من نجوم الأعلام "الجديد" يتشدقون بمباديء الحرية و يطالبون بأقصاء من لا يعجبهم دون أن يرتكب جريمة سوى التعبير عن رأيه الذي لا يجد رضاً منهم .. متناسين أن لا حرية ولا كرامة بدون حرية الرأي .. بل و يذهبون الى وصم المختلف بالأمراض النفسية و الأنحراف الفكري في محاولة مستميتة لتأسيس عصرهم الخاص من الديكتاتورية المبنية على محاكم التفتيش و أطلاق الأحكام على طريقة آلهة الأوليمب مُنزٍهين أنفسهم عن النقد .. لاعبين على مخاطبة العواطف و ليس العقول باجتزاء المعلومات و تفادي ذكر الحقائق و البعد عن الموضوعية .. و هي مساهمة كبيرة منهم في تغييب الوعي و التدليس على الناس و خداعهم .. هل نحن بصدد "طُغمة" حاكمة جديدة تحتكر الحقيقة و توزع صكوك الغفران !؟

أجد الكثير من الشباب يغضون الطرف عن معاناة الناس و هم يعترفون أن الناس أصبحت تكرههم .. و في نفس الوقت يزيدون في استفزاز الناس لتكرههم أكثر بغباء منقطع النظير و كأنما يعملون طواعية على أفشال حدث عظيم جليل في تاريخ مصر ربما ينقلها الى أفاق جديدة متى ما تم التأسيس لنظام سياسي شرعي وأعمال دولة القانون .. بل و يذهبون بعيداً لرفض دولة القانون والبعض منهم يريد أن يفرض معاناته الشخصية و مشاكلة الخاصة و يصل الى مرحلة أما تنفيذ رأي الخاص "أو مش لاعب و هانزل أولع فيكو" !! .. عن أي ديمقراطية يتحدثون !؟ ..

أسئلة كثيرة تجول في ذهني .. هل القادم أسوأ ؟ .. متى كان قطع الطريق حقاً شرعياً لأي شخص يحتج على أي شيء ؟ .. ماذا بعد هدم الدولة ؟ .. مَن مِن الزاعقين يتحمل مسؤولية أفعاله و مطالباته الغير منطقية اللتي يريد ان يفرضها على المجتمع ؟ .. هل يعرفون ما هي الديمقراطية أصلاً ؟ .. و المهم لماذا يريدون أن يحولوا شيئاً جميلاً شاركنا كلنا فيه الى كابوس لا ينتهي ؟ .. و الأهم متى يبدأ البناء ؟ .. ألا يوجد أي شخص يريد أن يعمل !؟ .. هل من مجيب !! متى نبدأ في البناء و متى تنتهي الرعونة السياسية و ماذا بعد بلطجة الرأي !؟



3 comments: