Friday, December 9, 2011

الأغلبية الفائزة




مجرد ذكر كلمة "أغلبية" فهي تهدم تمثيل الكل .. الأغلبية السياسية متغيرة وهي تحصل على موافقة من الشعب على تنفيذ برنامجها السياسي وليس على تشكيل المجتمع على هواها .. الدساتير تُكتب لتمثل الكل ولتعيش عقوداً وربما قروناً وليس لتتغير بتغيُر أغلبية سياسية كل 5 أو 10 سنوات 

قوانين أي دولة هي أنعكاس لقيم مجتمعها و ليس العكس .. فالقوانين تُسَن بناء على معطيات المجتمع و أعرافه و طبيعة تنوعه و ثقافته المتوارثه و تعددية أعراقه و أديانه والا ستصبح قوانين مجحفة لا يمكن تطبيقها على الأرض .. فالقيم المجتمعية و الأعراف الثقافية لا يمكن فرضها و لا نشرها بقوانين 

أذا ما اتفقنا على مبدأ الفصل بين السُلطات ضماناً لدولة متوازنة أذاً كيف تُمنَح أحدى السلطات تفويضاً بتقرير صلاحياتها وصلاحيات السلطات الأخرى ؟ .. فربما تحتكر لنفسها أهم أو كل الصلاحيات و هو ما يخشاه الكثيرون في الحالة المصرية و لا يفهمه البعض 

مبدأ تضارب و تعارض المصالح موجود بقوة أذا ما سيطرت السلطة التشريعية "البرلمان" - التي غالباً ما يُكَوٍن أغلبيتها طيف سياسي واحد - على وضع دستور البلاد .. فماذا يمنع هذه الأغلبية من وضع كل الصلاحيات بيد البرلمان بل و كتابة بنود تؤسس لحكمها هي منفردة .. ما الذي يمنع تلك الأغلبية البرلمانية من الأنقلاب على الديمقراطية نفسها و هدم مبدأ تداول السلطة أو هدم الديمقراطية باستخدام أحدى آلياتها عن طريق الوصول الى البرلمان و كتابة دستور يقدس البرلمان ويضع كل صلاحيات الحكم بيده .. علماً بأن مشروعها السياسي الذي وافق عليه الشعب ربما لا يلاقي قبولاً عند تنفيذه فيرى نفس الشعب تغيير هذه الأغلبية في الأنتخابات اللتي تليها .. السؤال هنا .. هل يكتب التلاميذ مقرر ما سيدرسونه ؟ .. و هل يقرر الموظفون مسئوليات عملهم منفردين ؟ 

الفصل بين السلطات "التشريعية - التنفيذية - القضائية" يتمثل بصورة أعلى و أوضح في الجمهورية الرئاسية وليس البرلمانية .. في الجمهورية البرلمانية تسيطر السلطة التشريعية على السلطة التنفيذية متمثلةً في تشكيلها للحكومة من الكتلة الغالبة في البرلمان .. في الجمهورية الرئاسية البرلمان يحاسب الحكومة ولا يسيطر على السلطة التنفيذية بل تكون السلطة التنفيذية تحت اشراف رئيس الجمهورية و البرلمان له منح أو سحب الثقة من الحكومة و استجواب الوزراء .. في النظام الرئاسي - البرلماني المختلط تتوزع الصلاحيات بين رئيس الجمهورية "ما يتعلق بالأمن القومي - الدفاع - السياسة الخارجية" و رئيس الوزراء "أدارة الشئون الداخلية والأقتصاد" و لابد من تنسيق و تكامل تحت أشراف رئيس الدولة 

من معضلات النظام البرلماني التحالفات الحزبية اللتي ربما تتغير بعد وقت من تشكيل الحكومة  في حالة وجود تكتلات مختلفة من أحزاب لم يحصل أي منها على الأغلبية المطلقة .. و قد ينتج عن هذا أن نجد التحالف الأنتخابي الذي فاز بأغلبية أصوات الناخبين لا يتمكن من تشكيل حكومة بعد تمام الأنتخابات و يصبح من خسر الأنتخابات هو رئيس الحكومة .. و لدينا اليوم مثالين على ذلك في العراق كتلة المالكي لم تفز بالأنتخابات و أنما فازت بها كتلة علاوي اللتي تفككت تحالفاتها بعد الأنتخابات فلم تستطِع تشكيل حكومة تحوز ثقة البرلمان .. و المثال الآخر في لبنان حيث تحالف حزب الله خسر الأنتخابات و انتهى به الحال يشكل الحكومة بعد أن سحب وزرائه من حكومة الحريري .. في وجود تعددية حزبية و عدم حصول أي حزب على أغلبية مطلقة و تغير التحالفات بعد الأنتخابات ينشأ أحد أهم عيوب النظام البرلماني و هو أنه نظام خادع فربما يصوت الناس لتحالف انتخابي بناء على برنامج معين لينفَضَ هذا التحالف بعد الأنتخابات و يشكل من لم يُصوٍت لهم الناس الحكومة .. و من عيوبه أيضاً هدمه لاستقرار من المفترض أن يمتد طوال الدورة البرلمانية حيث يمكن أن تسقط الحكومة كل شهرين على حسب أهواء السياسيين و تحالفاتهم المتغيرة و مصالحهم المتضاربة 

الفصل بين السلطات الثلاث وتوزيع الصلاحيات عليها يضمن تقليص الفساد .. ويظل المجتمع بحاجة الى القضاء على البيروقراطية وأفراز مجتمع مدني قوي .. و المجتمع المدني القوي لابد أن تتوزع أدواره ما بين الرقابة على أداء الحكومة والخدمات العامة والتوعية السياسية 

الصحافة والأعلام يمثلان السلطة الرابعة في أي دولة قوية عليهما عبء التوعية والتثقيف وكشف الفساد واستطلاع الرأي العام .. فهما ليسا فقط مجرد وسيلتا تسلية .. فلا توجد دولة حديثة قوية بدون أن تكون للحكومة أو أدارة البلاد مصداقية عند الشعب .. و هذه المصداقية تأتي من الشفافية والقوانين الواضحة لتداول المعلومات 

الحلم المثالي هو دولة تحترم المواثيق العالمية لحقوق الأنسان في دستورها "أبوالقوانين" .. تداول سلطة حقيقي وتنافس شريف .. توزيع متوازن للصلاحيات مع الفصل بين السلطات الثلاث وضمان استقلال القضاء .. سلطة رابعة من أعلام وصحافة شريفة و وطنية .. قوانين لعدم التمييز .. القضاء على البيروقراطية واللجوء الى الحلول اللامركزية مما يقلل الفساد الى الحد الأدنى .. عدالة توزيع موارد الدولة على الكل بما يضمن عدم التهميش لأي قطاع أو مجموعة في المجتمع .. مجتمع مدني خدمي توعوي رقابي قوي يناضل دائماً من أجل مكافحة الفساد والأرتقاء بالوعي السياسي و مكافحة التمييز .. وضع أصلاح التعليم والأعلام كأولوية مطلقة حالياً و جعلهما المشروع القومي الذي يلتف حوله الجميع .. و هذا الحلم يجب أن تتوافق حوله كل طوائف الشعب بصرف النظر عن الأغلبية والأقلية السياسية المرحلية 



8 comments:

  1. كما تعودنا رائعة

    رغم إني كنت أتمنا أن تكون هذه التدوينة في جزئين نظرا لاهمية الموضوعين
    ويكون موضوع عن الدستور والآخر عن أشكال الحكم ما لها وما عليها

    جزاكي الله عنا خير

    ReplyDelete
  2. عزيزتى منى..اشكرك على تحليلك الموضوعى الرائع الذى يعكس حلم كل المصريين برؤية وطنهم فى المكانة التى يستحقها بين دول العالم ولكن للأسف فى اطار هرولة الإخوان الى تسلم الحكم بأقصى سرعة ودون النظر الى تلك النقاط الهامة التى يبنى عليها النظام المناسب لنا ،من هذا المنطلق فإنهم رفضوا وثيقة السلمى وايضاً يرفضون الآن المشاركة فى المجلس الإستشارى بحجة انه يؤدى من وجهة نظرهم الى نفس مسار الوثيقة .وفى الحقيقة فإنها نظرة ضيقة للأمور وقد تؤدى الى مشاكل جديدة نحن فى غنى عنها .وياليتهم يكونون اكثر احترافية وأقل خوفاً لأنهم بالتأكيد سيحصلون مع باقى الأحزاب الإسلامية على الغالبية فى البرلمان القادم وحينئذ من الممكن ان يكسبوا كل الناس داخلياً وخارجياً إن توافقوا مع الآراء والتيارات الأخري..عذراًللإطالة ولكِ الله يامصر.

    ReplyDelete
  3. أيتها الاميرة ..... هل يوجد أجمل من أن يبدأ يومى بقراءة مثل هذه السطور الجميلة ، أنتِ مميزة للغاية فى كل شىء ، هل يوجد لديكِ عيوب !! أشك فى ذلك
    وأحسنُ منك لم تر قط عينى *** وأجملُ منك لم تلد النساء
    خلقت مُبرءاً من كل عيبٍ *** كأنك قد خلقت كما تشاء
    كأنَّ الكلمات قد خضعت لكِ ، أيتها الشمس المنيرة ، لا أعرف كلمات توفيكِ حقكِ على هذا المقال الجميل والمرتب والمنهجى ، كلمة " توعوى " هذه لا يكتبها إلا شخصٌ مثقف للغاية ،لماذا لا يستعينون بكِ فى الصحافة والفضائيات بدلاً من المتخلفين والجهلاء الذين يُطلون علينا يومياً عبر وسائل الإعلام المختلفة ولا يقولون شيئاً نافعاً أو مفيداً . أسلوبكِ سلس وعميق فى آنٍ واحد وجميل أيضاً يا أجمل من رأت عينى ، لو كنتُ بجواركِ الآن لقبلتُ هذه اليد التى كتبت هذه الكلمات الجميلة ، سلمت يداكِ ..........." هذا أنا كمووولة ، حتى وإن كان التوقيع بحسابى فى جوجل

    ReplyDelete
  4. ارجو ان يتسع صدرك للرد على الجزء الأول فقط والخاص بالأغلبية البرلمانية وهوية الدولة والتطرق في وضع الأغلبية الموسومية في وضع دستور يمارس لقرون :
    أولآ : الأغلبية البرلمانية لن تمثل أكثر من 42 % من الفصيل السياسي الواحد .
    ثانيآ : من وضع ثقته في تلك الأغلبية هو الشعب الذي صوت لهم .
    ثالثآ : يجب ان نتحدث بموضوعية أكثر فالشعب الذي قام بثورته ضد الاستبداد هو شعب واعي جدآ لايمكن ان يوافق في استفتاء يسمح بصنع أي ديكتاتورية جديدة.
    رابعآ : الأغلبية البرلمانية وافقت على وثيقة الأزهر والتي تمثل الخطوط العريضة للدستور وبأجماع كافة القوى السياسية الأخرى.
    خامسآ : ما يحدث وتكوين مجلس استشاري هو صورة جديدة للألتفاف على الديمقراطية والارادة الشعبية فلم يخول الشعب هذا المجلس كبديلآ له او كواصي على الأرادة الشعبية.
    سادسآ : من أرتضى بالديمقراطية فعليه ان يقبل بها حتى النهاية ولا يجي وضع حجر عثر في اتمام العملية الديمقراطية والتداول السلمي على السلطة وهو مايتمثل جليآ الأن في تشكيل المجلس الاستشاري.
    سابعآ : لا خلاف بين كافة الفصائل السياسية على هوية الدولة .
    ثامنآ : يجب ان نعلو بالفكر لنناءا عن تلك التفاهات التي تفرق كافة الفصائل السياسية وان نجتمع على مايجمعنا معآ وهو الكثير سواء كنا نمثل أغلبية برلمانية أو اقلية برلمانية فنحن جميعآ نبتغي الكرامة الصدق احترام كافة الاديان السماوية احترام حقوق الاقليات احترام المواطنة وهذه هي الفطرة التي نشا عليها المواطن المصري بكافة طوائفه وهو مادعت اليه كافة الاديان.
    شكرآ لك على مجهودك المبذول في العرض وسعة صدرك المعهودة

    ReplyDelete
  5. تحياتي يا منى
    الف سلامه لصابعك وان شاء الله يكون احسن دلوقتي:)
    كلام كله صحيح واتفق عليه الكثير من اول دالبرادعي مرورا بشباب الثوره وبعض رجال الاخوان وصولا لبعض النخبة اللي ظهرت فجأه بعد الثوره
    الحل الذي ذكرته في اخر المقال هو المنشود ولكن ماهي ألية تنفيذه وسط أحزاب وأطياف كلها بلا استثناء ترى ان رأيها هو الصحيح والآخر مخطئون استنادا الى انطباعات مسبقه.
    الانطباعات المسبقة مصيبتنا الأولى اللتي تجعلنا نصل لمرحلة شخصنة الامور
    يبدو أني مضطر لكتابة نوت اوضح فيها اكتر وانا اكره ما عليا أني اقعد اكتب، اقرأ اه اكتب لا:)
    تحياتي مره اخيره

    ReplyDelete
  6. مقال جيد لكن لي عليه ملحوظتان ...

    الأولى أن دور الجيش يمثل حجر الزاوية في مرحلتنا هذه لضمان أولا توزيع السلطة بين البرلمان و الرئيس ... فالمجلس العسكري يقوم بدور الرئيس وهاهو قد فوض سلطاته السياسية لرئيس الوزراء ... و أقام مجلسا استشاريا يضمن حد أدنى من تصحيح الخلل الناتج عن الأغلبية البرلمانية التي قد لا تكون معبرة عن الشعب أو تستبد باسمه و تجور على باقي السلطات ... و أظنه يقوم بدور حسن في تلك القضية

    الثانية ... أن الضمان الحقيقي لدولة محترمة ليس في إستقلال القضاء فحسب ... ولكن في إصلاح منظومة التقاضي و إجراءات التقاضي نفسها ... لأن عدالة التوزيع و ضمان الحقوق و الحريات الدستورية لن يتأتى للمواطن إلى بقضاء قوي ... صلد يتحمل الصدام مع أي محاولة للإستبداد سواء من الرئيس أو البرلمان ... أو أي محاولة للهيمنة و فرض الرأي

    في حالتنا ... يبقى الضامن هو الشارع و لكنه خيار خطير لأنه ممكن أن ينزلق بالبلاد في أي لحظة ... لصدام عنيف ... أو حرب أهلية لا قدر الله

    دور الجيش على إلتباسه ... حائط صد للحرب الأهلية وضد هيمنة الأغلبية

    الجيش سيظل سلطة من وراء الستار لزمن ليس قليل ... إلى أن تستقر الحقوق و ينصلح حال القضاء

    دمتي بالخير عزيزتي منى و سلامة صباعك

    ReplyDelete
  7. شكرا يا فندم على الاجتهاد

    بداية وجهة النظر الأخرى
    مناوشات: عن الجمعية التأسيسية http://aabobakr.blogspot.com/2012/03/blog-post.html?spref=tw

    مناوشات: مغالطات د. علاء الأسوانى http://aabobakr.blogspot.com/2011/11/blog-post_15.html?spref=tw

    http://www.facebook.com/photo.php?fbid=10151444531250495&set=a.217066400494.278212.529700494&type=1

    تعليقى فى تلغرافات سريعة,
    اتفق مع أغلب الكلام المكتوب لكن: الدستور دائم "ممممم ممكن ". لكنه ديناميكى وحى. وفى معظم إن لم يكن كل دول فى العالم وفى اى نظام سياسى "رئاسى - برلمانى - مختلط " فالبرلمان "بصفته الالية المتعارف عليها لتمثيل الإرادة الشعبية "له الصلاحية فى تعديل الدستور. لان الدستور ليس جامدا ولا قرءانا. بل هو مرن. حى. وديناميكى. مثل الدستور الأمريكى مثلا الذى عدل حوالى 27 مرة على ما أظن.

    الدستور جزء حقوق وحريات وجزء نظام سياسى. الحقوق والحريات ملك للناس جميعا. لكن النظام السياسى اجتهاد. والكل يختلف عليه. فمن له الحق أذا فى رسم حدوده. المنتخبون أم المعينون !

    التخوفات كلها قائمة على النظام البرلمانى. لكن لو كنت حضرتك تفضلين النظام البرلمانى للحكم. فان معظم التخوفات لن تكون محل كلام.

    فكرة تضارب المصالح تمس كل فرد فى البلاد. الاكاديمى والسياسى. الفلاح والعامل. اللعب على فكرة تضارب المصالح فكرة ذكية جدا :) لكن مد الخط على استقامته يقول انه يمس الجميع :) - مثلا متوقع جدا ان يرفض العمال والفلاحون الغاء نسبة ال 50 % فى حالة نزولها فى الاستفتاء الشعبى... وازاى نسمح ليهم بكده طيب . فى تضارب مصالح :) التضارب ينال الجميع. الحل فى الشرعية المستمدة من الشعب لا من الفرض عن طريق الحاكم

    الضمانة الوحدية للقضاء على تخوفات حضرتك. نزاهة العملية الديموقراطية. هة الضامنة لاى دستور ولاى نظام سياسى.

    ReplyDelete
    Replies
    1. كلامك عام يا عزيزي ويحتمل الشيء وعكسه .. البرلمان قد يغير مواد في الدستور أي نعم ولكن ليس الدستور كله الا باشتراك السلطات الأخرى من حكومة وقضاء .. المشروع المطروح حالياً يؤسس لهيمنة تيار واحد نعرف جميعاً كيف وصل للأغلبية في مجتمع لا يمثل حاضنة طبيعية للديمقراطية .. المشروع المطروح حالياً يمس الحريات في الصميم ولا توجد دولة ديمقراطية تدعي ذلك ولا تحترم حريات مواطنيها .. المشروع المطروح حالياً هو لوأد الديمقراطية باستخدام أدواتها .. ليس من حق أحد أن يحاسبني هنا فأنا أقول رأيي وليس المطلوب أن أتنازل عنه لمجرد وجود رأي آخر لا أستسيغه ولكن أفهم دوافعه جيداً .. ما هو موجود بالأعلى هو رأيي مجرد رأي ولكنه رأيي .. شكراً للتعليق

      Delete